فصل: ذِكْرُ النَّهْيِ عَنِ الصَّلَاةِ فِي مَعَاطِنِ الْإِبِلِ وَإِبَاحَةِ الصَّلَاةِ فِي مَرَابِضِ الْغَنَمِ:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الأوسط في السنن والإجماع والاختلاف



.ذِكْرُ النَّهْيِ عَنِ الصَّلَاةِ فِي مَعَاطِنِ الْإِبِلِ وَإِبَاحَةِ الصَّلَاةِ فِي مَرَابِضِ الْغَنَمِ:

ثَابِتٌ عَنْ رَسُول اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ نَهَى عَنِ الصَّلَاةِ فِي مَعَاطِنِ الْإِبِلِ وَأَذِنَ فِي الصَّلَاةِ فِي مُرَاحِ الْغَنَمِ.
767- حَدَّثَنَا عَلِيٌّ، ثنا حَجَّاجٌ، ثنا أَبُو عَوَانَةَ، عَنْ عُثْمَانَ بْنِ عَبْدِ اللهِ بْنِ مَوْهَبٍ، عَنْ جَعْفَرِ بْنِ أَبِي ثَوْرٍ، عَنْ جَابِرِ بْنِ سَمُرَةَ، قَالَ: كُنْتُ جَالِسًا عِنْدَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَجَاءَ رَجُلٌ فَقَالَ: أُصَلِّي فِي مَبَارِكِ الْإِبِلِ؟ قَالَ: «لَا»، قَالَ: نُصَلِّي فِي مَرَابِضِ الْغَنَمِ؟ قَالَ: «نَعَمْ».
قَالَ أَبُو بَكْرٍ: وَقَدْ ذَكَرْنَا حَدِيثَ الْبَرَاءِ بْنِ عَازِبٍ فِي هَذَا الْمَعْنَى فِي مَكَانٍ آخَرَ مِنْ هَذَا الْكِتَابِ.
قَالَ أَبُو بَكْرٍ: أَجْمَعَ كُلُّ مَنْ أَحْفَظُ عَنْهُ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ عَلَى أَنَّ الصَّلَاةَ فِي مَرَابِضِ الْغَنَمِ جَائِزَةٌ غَيْرَ الشَّافِعِيِّ فَإِنَّهُ اشْتَرَطَ فِيهِ شَرْطًا لَا أَحْفَظُهُ عَنْ غَيْرِهِ وَأَنَا ذَاكِرٌ ذَلِكَ عَنْهُ وَمِمَّنْ رُوِّينَا عَنْهُ أَنَّهُ رَأَى أَنْ يُصَلَّى فِي مَرَابِضِ الْغَنَمِ وَلَا يُصَلَّى فِي أَعْطَانِ الْإِبِلِ جَابِرُ بْنُ سَمُرَةَ وَعَبْدُ اللهِ بْنُ عَمْرٍو وَالْحَسَنُ وَمَالِكٌ وَإِسْحَاقُ وَأَبُو ثَوْرٍ. وَرُوِّينَا عَنْ أَبِي ذَرٍّ أَنَّهُ دَخَلَ دَرْبَ غَنْمٍ فَصَلَّى فِيهِ وَعَنِ ابْنِ الزُّبَيْرِ أَنَّهُ صَلَّى فِي مُرَاحِ الْغَنَمِ وَصَلَّى ابْنُ عُمَرَ فِي دِمَنِ الْغَنَمِ وَرَخَّصَ ابْنُ سِيرِينَ وَالنَّخَعِيُّ وَعَطَاءٌ فِي ذَلِكَ.
768- حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ، ثنا أَبُو بَكْرٍ، ثنا وَكِيعٌ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ قَيْسٍ، عَنْ جَعْفَرِ بْنِ أَبِي ثَوْرٍ، عَنْ جَابِرِ بْنِ سَمُرَةَ، قَالَ: كُنَّا نُصَلِّي فِي مَرَابِضِ الْغَنَمِ وَلَا نُصَلِّي فِي أَعْطَانِ الْإِبِلِ.
769- حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ، ثنا أَبُو بَكْرٍ، ثنا يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ، عَنْ حُسَيْنٍ الْمُعَلِّمِ، عَنِ ابْنِ بُرَيْدَةَ، عَنْ مَاعِزِ بْنِ نَضْلَةَ، قَالَ: أَتَانَا أَبُو ذَرٍّ فَدَخَلَ دَرْبَ غَنْمٍ لَنَا فَصَلَّى فِيهِ.
770- حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ، ثنا أَبُو بَكْرٍ، ثنا عَبْدَةُ، عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ، حَدَّثَنِي رَجُلٌ: سَأَلَ عَبْدَ اللهِ بْنَ عَمْرٍو عَنِ الصَّلَاةِ، فِي أَعْطَانِ الْإِبِلِ قَالَ: فَنَهَاهُ وَقَالَ: صَلِّ فِي مُرَاحِ الْغَنَمِ.
771- حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ، ثنا أَبُو بَكْرٍ حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ مَهْدِيٍّ، عَنْ صَخْرِ بْنِ جُوَيْرِيَةَ، عَنْ عَاصِمِ بْنِ الْمُنْذِرِ، قَالَ: خَرَجَ ابْنُ الزُّبَيْرِ إِلَى الْمُزْدَلِفَةِ فِي غَيْرِ أَشْهُرِ الْحَجِّ فَصَلَّى بِنَا فِي مُرَاحِ الْغَنَمِ وَهُوَ يَجِدُ أَمْكِنَةً سِوَاهَا لَوْ شَاءَ أَنْ يُصَلِّيَ فِيهَا وَمَا رَأَيْتُهُ فَعَلَ ذَلِكَ إِلَّا لِيُرِيَنَا.
772- حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ، ثنا أَبُو بَكْرٍ، ثنا ابْنُ عُيَيْنَةَ، عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ إِسْمَاعِيلَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، أَنَّ ابْنَ عُمَرَ صَلَّى فِي مَكَانٍ فِيهِ دِمَنٌ. وَكَانَ الشَّافِعِيُّ يَقُولُ: لَسْتُ أَكْرَهُ الصَّلَاةَ فِي مُرَاحِ الْغَنَمِ إِذَا كَانَ سَلِيمًا مِنْ أَبْوَالِهَا وَأَبْعَارِهَا لِإِبَاحَةِ رَسُول اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ذَلِكَ، قَالَ: وَإِنْ كَانَ فِي أَعْطَانِ الْإِبِلِ وَمُرَاحِ الْغَنَمِ وَالْبَقَرِ شَيْءٌ مِنْ أَبْوَالِهَا وَأَبْعَارِهَا فَصَلَّى فَعَلَيْهِ إِعَادَةُ الصَّلَاةِ وَاخْتَلَفُوا فِي الصَّلَاةِ فِي مَعَاطِنِ الْإِبِلِ فَرُوِّينَا عَنْ جَابِرِ بْنِ سَمُرَةَ أَنَّهُ قَالَ: كُنَّا لَا نُصَلِّي فِي أَعْطَانِ الْإِبِلِ، وَعَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ عَمْرٍو أَنَّهُ نَهَاهُ عَنْ ذَلِكَ، وَقَدْ ذَكَرْنَا إِسْنَادَهُمَا وَكَرِهَ ذَلِكَ الْحَسَنُ وَقَالَ مَكْحُولٌ: كَانَ الْعُلَمَاءُ لَا يَرَوْنَ بَأْسًا أَنْ يُصَلَّى فِي مَرَابِضِ الْغَنَمِ وَيَكْرَهُونَ أَنْ يُصَلَّى فِي أَعْطَانِ الْإِبِلِ، وَهَذَا قَوْلُ مَالِكٍ وَإِسْحَاقَ وَأَبِي ثَوْرٍ وَأَحْمَدَ وَرَخَّصَ أَحْمَدُ أَنْ يُصَلَّى فِي مَوْضِعٍ فِيهِ أَبْوَالُ الْإِبِلِ إِذَا لَمْ يَكُنْ مَعَاطِنُ الْإِبِلِ الَّتِي نَهَى عَنِ الصَّلَاةِ فِيهَا الَّتِي تَأْوِي إِلَيْهَا بِاللَّيْلِ وَكَانَ يَقُولُ: عَلَيْهِ الْإِعَادَةُ إِذَا صَلَّى فِي مَعَاطِنِ الْإِبِلِ. وَحُكِيَ عَنْ وَكِيعٍ أَنَّهُ سُئِلَ عَنْ رَجُلٍ صَلَّى فِي أَعْطَانِ الْإِبِلِ قَالَ: يُجْزِيهِ. قَالَ ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ أَبُو بَكْرٍ: مَا صَنَعَ شَيْئًا، وَقَدْ رُوِّينَا عَنْ جُنْدُبٍ أَنَّهُ كَانَ يُصَلِّي فِي أَعْطَانِ الْإِبِلِ وَمَرَابِضِ الْغَنَمِ، وَلَا يُثْبَتُ، وَمِنْ حَدِيثِ جَابِرٍ الْجُعْفِيِّ.
وَكَانَ الشَّافِعِيُّ يَقُولُ: وَلَا يُصَلَّى فِي مَعَاطِنِ الْإِبِلِ فَإِنْ صَلَّى رَجُلٌ فِيهَا فَلَمْ يَكُنْ فِي مَوْضِعِ قِيَامِهِ وَلَا سُجُودِهِ وَلَا مَوْضِعِ رُكْبَتَيْهِ شَيْءٌ مِنْ أَبْعَارِهَا وَأَبْوَالِهَا فَصَلَاتُهُ تَامَّةٌ وَأَكْرَهُ ذَلِكَ لَهُ لِنَهْيِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَإِنْ كَانَ نَهْيُهُ عَلَى الِاخْتِيَارِ.
قَالَ أَبُو بَكْرٍ: وَالصَّلَاةُ فِي مُرَاحِ الْبَقَرِ جَائِزَةٌ إِذْ لَا خَبَرَ فِيهِ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ نَهَى عَنْ ذَلِكَ وَكُلُّ ذَلِكَ دَاخِلٌ فِي جُمْلَةِ قَوْلِهِ عَلَيْهِ السَّلَامُ: «أَيْنَ أَدْرَكَتْكَ الصَّلَاةُ فَصَلِّ فَهُوَ مَسْجِدٌ» غَيْرُ خَارِجٍ مِنْهُ بِخَبَرٍ وَلَا إِجْمَاعٍ فَمِمَّنْ رَأَى الصَّلَاةَ فِي مُرَاحِ الْبَقَرِ عَطَاءٌ وَمَالِكٌ وَقَدْ رُوِّينَا عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ نَهَى عَنِ الصَّلَاةِ فِي سَبْعِ مَوَاطِنَ الْمَقْبَرَةِ وَالْمَجْزَرَةِ وَالْمَزْبَلَةِ وَالْحَمَّامِ وَمَحَجَّةِ الطَّرِيقِ وَظَهْرِ بَيْتِ اللهِ وَمَعَاطِنِ الْإِبِلِ وَهَذَا الْحَدِيثُ غَيْرُ ثَابِتٍ لِأَنَّ الَّذِي رَوَاهُ زَيْدُ بْنُ جَبِيرَةَ. وَحَدِيثٌ آخَرُ رَوَاهُ عَبْدُ اللهِ الْعُمَرِيُّ فِي هَذَا الْمَعْنَى بِعَيْنِهِ وَكَانَ يَحْيَى الْقَطَّانُ يُضَعِّفُهُ وَقَدْ ذَكَرْتُهُمَا فِي الْكِتَابِ الَّذِي اخْتَصَرْتُ مِنْهُ هَذَا الْكِتَابَ.
قَالَ أَبُو بَكْرٍ: فَأَمَّا مَعَاطِنُ الْإِبِلِ فَقَدْ ثَبَتَ عَنْ نَبِيِّ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ النَّهْيُ عَنِ الصَّلَاةِ فِيهَا وَأَمَّا الْمَوَاضِعُ الْمَذْكُورَةُ فِي هَذَا الْحَدِيثِ مِثْلُ الْمَجْزَرَةِ وَالْمَزْبَلَةِ وَمَحَجَّةِ الطَّرِيقِ فَهِيَ دَاخِلَةٌ فِي جُمْلَةِ قَوْلِهِ: «جُعِلَتْ لِي الْأَرْضُ مَسْجِدًا وَطَهُورًا» فَإِنْ كَانَ فِي شَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ نَجَاسَةٌ فَسَوَاءٌ هِيَ وَغَيْرُهَا مِنَ الْمَوَاضِعِ النَّجِسَةِ لَا تَجُوزُ الصَّلَاةُ عَلَيْهَا وَأَمَّا ظَهْرُ بَيْتِ اللهِ فَقَدْ قِيلَ لِي: إِنَّ فَوْقَ الْبَيْتِ مِنَ الْبِنَاءِ مِقْدَارَ مَا يَسْتُرُ الْمُصَلِّيَ فَإِنْ يَكُ فَوْقَهُ مِنَ الْبِنَاءِ قَدْرَ الذِّرَاعِ فَالصَّلَاةُ عَلَيْهِ جَائِزَةٌ لِأَنَّ قَدْرَ الذِّرَاعِ يَسْتُرُ الْمُصَلِّيَ وَكَانَ مَالِكٌ يَكْرَهُ الصَّلَاةَ فِي الْمَجْزَرَةِ وَالْمَزْبَلَةِ وَكُلِّ مَكَانٍ لَيْسَ بِطَاهِرٍ. وَقَوْلُهُ: وَكُلُّ مَكَانٍ لَيْسَ بِطَاهِرٍ يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ إِنَّمَا نَهَى عَنِ الصَّلَاةِ فِي الْمَجْزَرَةِ وَالْمَزْبَلَةِ لِعِلَّةِ النَّجَاسَةِ لَمَّا قَرَنَ إِلَيْهِمَا: وَكُلِّ مَكَانٍ لَيْسَ بِطَاهِرٍ، وَاخْتَلَفُوا فِي الرَّجُلِ يُصَلِّي عَلَى مَوْضِعٍ نَجِسٍ فَقَالَ مَالِكٌ: يُعِيدُ مَا دَامَ فِي الْوَقْتِ بِمَنْزِلَةِ مَنْ صَلَّى وَفِي ثَوْبِهِ نَجِسٌ، وَقَالَ الشَّافِعِيُّ: يُعِيدُ فِي الْوَقْتِ وَبَعْدَ خُرُوجِ الْوَقْتِ.
قَالَ أَبُو بَكْرٍ: وَإِذَا شَكَّ فِي مَوْضِعٍ هَلْ أَصَابَتْهُ نَجَاسَةٌ أَمْ لَا؟ صَلَّى عَلَيْهِ حَتَّى يُوقِنَ بِالنَّجَاسَةِ لِأَنَّ الْأَشْيَاءَ عَلَى الطَّهَارَةِ حَتَّى يُوقِنَ بِنَجَاسَةٍ حَلَّتْ فِيهِ فَتُحَرَّمُ الصَّلَاةُ عَلَيْهِ.

.ذِكْرُ الْأَرْضِ النَّجِسَةِ يُبْسَطُ عَلَيْهَا بِسَاطٌ:

وَإِذَا كَانَتِ الْأَرْضُ نَجِسَةً فَبَسَطَ عَلَيْهَا بِسَاطًا صَلَّى عَلَيْهِ وَهَذَا قَوْلُ طَاوُسٍ وَالْأَوْزَاعِيُّ وَمَالِكٌ وَالشَّافِعِيُّ وَإِسْحَاقُ وَقَالَ أَحْمَدُ: إِذَا بَسَطَ عَلَيْهِ وَكَانَ لَا يَعْلُقُ بِالثَّوْبِ وَلَا يَرَى بَوْلًا وَلَا عِذِرَةً بِعَيْنِهِ فَجَائِزٌ.
قَالَ أَبُو بَكْرٍ: وَلَا أَعْلَمُ أَحَدًا يَمْنَعُ أَنْ يُصَلَّى عَلَى مَوْضِعِ نَجَاسَةٍ بَنَى عَلَيْهَا بِنَاءً أَوْ صَيَّرَ عَلَيْهِ تُرَابًا يَمْنَعُ النَّجَاسَةَ أَنْ يُصِيبَ الْمُصَلَّى. وَحُكْمُ قَلِيلِ الْحَائِلِ الَّذِي يَحُولُ بَيْنَ الْمُصَلِّي وَبَيْنَ النَّجَاسَةِ وَحُكْمُ كَثِيرَهِ سَوَاءٌ.

.ذِكْرُ الصَّلَاةِ فِي الْبِيَعِ وَالْكَنَائِسِ:

وَاخْتَلَفُوا فِي الصَّلَاةِ فِي الْكَنَائِسِ وَالْبِيَعِ فَكَرِهَتْ طَائِفَةٌ الصَّلَاةَ فِيهَا إِذَا كَانَ فِيهَا تَمَاثِيلُ قَالَ عُمَرُ لِرَجُلٍ مِنَ النَّصَارَى: إِنَّا لَا نَدْخُلُ بِيَعَكُمْ مِنْ أَجْلِ الصُّوَرِ الَّتِي فِيهَا وَكَرِهَ ابْنُ عَبَّاسٍ وَمَالِكٌ الصَّلَاةَ فِيهَا مِنْ أَجْلِ الصُّوَرِ الَّتِي فِيهَا وَرَخَّصَتْ طَائِفَةٌ أَنْ يُصَلَّى فِي الْكَنَائِسِ فَمِمَّنْ رُوِيَ عَنْهُ أَنَّهُ صَلَّى فِي كَنِيسَةٍ أَبُو مُوسَى وَرُوِيَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّهُ رَخَّصَ أَنْ يُصَلَّى فِي الْبِيَعِ إِذَا اسْتَقْبَلَ الْقِبْلَةَ.
773- حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ، عَنْ عَبْدِ الرَّزَّاقِ، عَنْ مَعْمَرٍ، عَنْ أَيُّوبَ، عَنْ نَافِعٍ، عَنْ أَسْلَمَ، أَنَّ عُمَرَ: حِينَ قَدِمَ الشَّامَ صَنَعَ رَجُلٌ مِنَ النَّصَارَى طَعَامًا وَقَالَ لِعُمَرَ: إِنِّي أُحِبُّ أَنْ تَجِيئَنِي وَتُكْرِمَنِي أَنْتَ وَصَاحِبُكَ وَهُوَ رَجُلٌ مِنْ عُظَمَاءِ النَّصَارَى فَقَالَ عُمَرُ: إِنَّا لَا نَدْخُلُ كَنَائِسَكُمْ، يَعْنِي مِنْ أَجْلِ الصُّوَرِ الَّتِي فِيهَا التَّمَاثِيلُ.
774- حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ، عَنْ عَبْدِ الرَّزَّاقِ، عَنِ الثَّوْرِيِّ، عَنْ خُصَيْفٍ، عَنْ مِقْسَمٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ: أَنَّهُ كَانَ لَا يُصَلِّي فِي كَنِيسَةٍ فِيهَا تَمَاثِيلُ وَإِنْ صَارَ إِلَى ذَلِكَ يَخْرُجُ فَيُصَلِّي فِي الْمَطَرِ.
775- حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَلِيٍّ، ثنا سَعِيدٌ، ثنا أَبُو عَوَانَةَ، عَنْ خُصَيْفٍ، عَنْ عِكْرِمَةَ أَوْ مِقْسَمٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ: أَنَّهُ كَانَ لَا يَرَى بِالصَّلَاةِ فِي الْبِيَعِ إِذَا اسْتَقْبَلَ الْقِبْلَةَ.
776- حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَلِيٍّ، ثنا سَعِيدٌ، ثنا فَرَجُ بْنُ فَضَالَةَ، عَنِ الْأَزْهَرِ بْنِ عَبْدِ اللهِ الْحَرَازِيِّ، عَنْ أَبِي مُوسَى، قَالَ: وَصَلَّى بِحِمْصَ فِي كَنِيسَةٍ تُدْعَى نَحْيَا ثُمَّ خَطَبَهُمْ وَقَالَ: أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّكُمْ فِي زَمَانٍ لِعَامِلِ اللهِ فِيهِ أَجْرٌ وَاحِدٌ وَسَيَكُونُ مِنْ بَعْدَكُمْ زَمَانٌ يَكُونُ لِعَامِلِ اللهِ فِيهِ أَجْرَانِ. وَمِمَّنْ رَخَّصَ فِي الصَّلَاةِ فِي الْبِيَعِ الْحَسَنُ وَالشَّعْبِيُّ وَعُمَرُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ وَالنَّخَعِيُّ وَرَخَّصَ الْأَوْزَاعِيُّ وَسَعِيدُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ أَنْ يُصَلَّى فِي كَنَائِسِ الْيَهُودِ وَالنَّصَارَى.
قَالَ أَبُو بَكْرٍ: الصَّلَاةُ فِي الْكَنَائِسِ جَائِزٌ لِدُخُولِهَا فِي جُمْلَةِ قَوْلِهِ: «جُعِلَتْ لِي الْأَرْضُ مَسْجِدًا وَطَهُورًا». وَيُكْرَهُ الدُّخُولُ لِوَضْعٍ فِيهِ صُوَرٌ مِنَ الْكَنَائِسِ وَغَيْرِهَا وَإِذَا صَلَّى رَجُلٌ عَلَى مَكَانٍ تَقَعُ أَطْرَافُهُ الَّتِي يَسْجُدُ عَلَيْهَا عَلَى الطَّهَارَةِ وَبِإِزَاءِ صَدْرِهِ نَجَاسَةٌ لَا يَقَعُ عَلَيْهَا شَيْءٌ مِنْ بَدَنِهِ وَلَا ثِيَابِهِ الَّتِي عَلَيْهِ فَصَلَاتُهُ مُجْزِيَةٌ وَهَذَا عَلَى مَذْهَبِ الشَّافِعِيِّ وَأَبِي ثَوْرٍ.

.ذِكْرُ اخْتِلَافِ أَهْلِ الْعِلْمِ فِي الْأَبْوَالِ وَالْأَرْوَاثِ الطَّاهِرِ مِنْهَا وَالنَّجَسِ:

قَالَ أَبُو بَكْرٍ: دَلَّتِ الْأَخْبَارُ عَنْ رَسُول اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى أَنَّ أَبْوَالَ بَنِي آدَمَ نَجِسَةٌ يَجِبُ غَسْلُهَا مِنَ الْبَدَنِ وَمِنَ الثَّوْبِ الَّذِي يُصَلَّى فِيهِ إِلَّا مَا رُوِيَ عَنْهُ فِي بَوْلِ الْغُلَامِ الَّذِي لَمْ يَطْعَمِ الطَّعَامَ وَقَدْ ذَكَرْنَا هَذَا الْبَابَ فِيمَا مَضَى وَاخْتَلَفُوا فِي بَوْلِ مَا يُؤْكَلُ لَحْمُهُ وَمَا لَا يُؤْكَلُ فَقَالَتْ طَائِفَةٌ: بَوْلُ مَا يُؤْكَلُ لَحْمُهُ، طَاهِرٌ وَلَيْسَ كَذَلِكَ عِنْدَهَا أَبْوَالُ مَا لَا يُؤْكَلُ لَحْمُهُ فَمِمَّنْ قَالَ: مَا يُؤْكَلُ لَحْمُهُ فَلَا بَأْسَ بِبَوْلِهِ عَطَاءٌ وَالنَّخَعِيُّ وَالثَّوْرِيُّ وَرَخَّصَ فِي أَبْوَالِ الْإِبِلِ وَالْغَنَمِ الزُّهْرِيُّ، وَقَالَ يَحْيَى الْأَنْصَارِيُّ فِي الْأَبْوَالِ: لَا يُكْرَهُ ذَلِكَ مِنَ الْإِبِلِ وَالْبَقَرِ وَالْغَنَمِ وَرَخَّصَ الشَّعْبِيُّ فِي بَوْلِ التَّيْسِ وَقَالَ الْحَسَنُ وَقَتَادَةُ فِيمَنْ وَطِئَ عَلَى الرَّوْثِ الرَّطْبِ: يَمْسَحُ قَدَمَيْهِ، وَيُصَلِّي وَرَخَّصَ الْحَكَمُ فِي أَبْوَالِ الشِّيَاهِ قَالَ: لَا تَغْسِلْهُ وَرُوِيَ عَنْ أَبِي مُوسَى أَنَّهُ صَلَّى عَلَى التُّرَابِ وَالسِّرْقِينِ.
777- حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ، ثنا ابْنُ الْأَصْبَهَانِيِّ، ثنا شَرِيكٌ، عَنِ الْأَعْمَشِ، عَنْ مَالِكِ بْنِ الْحَارِثِ، عَنْ أَبِيهِ، قَالَ: رَأَيْتُ أَبَا مُوسَى يُصَلِّي فِي دَارِ الْبَرِيدِ عَلَى التُّرَابِ وَالسِّرْقِينِ فَقِيلَ لَهُ: لَوْ خَرَجْتَ مِنْ هاهنا قَالَ: هاهنا وَثَمَّ سَوَاءٌ وَرَخَّصَ فِي ذَرْقِ الطَّيْرِ أَبُو جَعْفَرٍ وَالْحَكَمُ وَحَمَّادٌ. وَقَالَ حَمَّادٌ فِي خُرْءِ الدَّجَاجِ: إِذَا يَبِسَ فَافْرُكْهُ وَكَانَ الْحَسَنُ لَا يَرَى عَلَى مَنْ صَلَّى وَفِي ثَوْبِهِ خُرْءُ الدَّجَاجِ إِعَادَةً. وَقَالَتْ طَائِفَةٌ: الْأَرْوَاثُ وَالْأَبْوَالُ كُلُّهَا نَجِسَةٌ مَا أُكِلَ لَحْمُهُ أَوْ لَمْ يُؤْكَلْ وَكَذَلِكَ ذَرْقُ الطَّيْرِ كُلُّهَا نَجِسٌ هَذَا قَوْلُ الشَّافِعِيِّ وَقَدْ حُكِيَ عَنْهُ أَنَّهُ اسْتَثْنَى مِنْ ذَلِكَ بَوْلَ الْغُلَامِ الَّذِي لَمْ يَطْعَمْ وَأَمَرَ بِالرَّشِّ عَلَيْهِ وَكَانَ الشَّافِعِيُّ يَقُولُ: لَا يَجُوزُ بَيْعُ الْعَذِرَةِ وَلَا الرَّوْثِ وَلَا الْبَوْلِ كَانَ ذَلِكَ مِنَ النَّاسِ أَوْ مِنَ الدَّوَابِّ وَقَالَ أَبُو ثَوْرٍ كَقَوْلِ الشَّافِعِيِّ فِي الْأَبْوَالِ وَالْأَرْوَاثِ أَنَّهَا كُلَّهَا نَجِسَةٌ رَطْبًا كَانَ أَوْ يَابِسًا وَقَالَ الْحَسَنُ: الْبَوْلُ كُلُّهُ يُغْسَلُ وَكَانَ يَكْرَهُ أَبْوَالَ الْبَهَائِمِ كُلَّهَا يَقُولُ: اغْسِلْ مَا أَصَابَكَ مِنْهَا وَقَالَ حَمَّادٌ فِي بَوْلِ الشَّاةِ: اغْسِلْهُ.
وَفِيهِ قَوْلٌ ثَالِثٌ: قَالَهُ مَالِكٌ قَالَ: لَا يَرَى أَهْلُ الْعِلْمِ أَبْوَالَ مَا أُكِلَ لَحْمُهُ وَشُرِبَ لَبَنُهُ مِنَ الْأَنْعَامِ نَجِسًا وَكَذَلِكَ أَبْعَارَهَا وَهُمْ يَسْتَحْسِنُونَ مَعَ ذَلِكَ غَسْلَهَا وَلَا يَرَوْنَ بِالِاسْتِشْفَاءِ بِشُرْبِ أَبْوَالِهَا بَأْسًا وَيَكْرَهُونَ أَبْوَالَ مَا لَا يُؤْكَلُ لَحْمُهُ مِنَ الدَّوَابِّ وَأَرْوَاثَهَا الرَّطْبَةَ أَنْ يُعِيدَ مَا كَانَ فِي الْوَقْتِ وَيَكْرَهُونَ شُرْبَ أَبْوَالِهَا وَأَلْبَانِهَا هَذِهِ حِكَايَةُ ابْنِ وَهْبٍ عَنْهُ وَحَكَى ابْنُ الْقَاسِمِ أَنَّ مَالِكًا كَانَ لَا يَرَى بَأْسًا بِأَبْوَالِ مَا أُكِلَ لَحْمُهُ مِمَّا لَا يَأْكُلُ الْجِيَفَ وَأَرْوَاثَهَا إِنْ وَقَعَ فِي الثَّوْبِ، وَقَالَ فِي الطَّيْرِ الَّتِي تَأْكُلُ الْجِيَفَ وَالْأَذَى: يُعِيدُ مَنْ كَانَ فِي ثَوْبِهِ مِنْهُ شَيْءٌ صَلَاتَهُ فِي الْوَقْتِ قَالَ: فَإِذَا ذَهَبَ الْوَقْتُ فَلَا إِعَادَةَ عَلَيْهِ. وَوَقَفَ أَحْمَدُ عَنِ الْجَوَابِ فِي أَبْوَالِ مَا يُؤْكَلُ لَحْمُهُ مَرَّةً، وَقَالَ مَرَّةً: يُنَزَّهُ عَنْ بَوْلِ الدَّوَابِّ كُلِّهَا أَحَبُّ إِلَيَّ وَلَكِنِ الْبَغْلُ وَالْحِمَارُ أَشَدُّ وَقَالَ إِسْحَاقُ كَذَلِكَ وَقَدِ اخْتَلَفَ قَوْلُ أَحْمَدَ فِي هَذَا الْبَابِ. وَقَالَتْ طَائِفَةٌ: الْأَبْوَالُ كُلُّهَا سِوَى بَوْلِ بَنِي آدَمَ طَاهِرٌ لَا يَجِبُ غَسْلُهُ وَلَا نَضْحُهُ إِلَّا أَنْ يُوجِبَ ذَلِكَ مِمَّا يَجِبُ التَّسْلِيمُ لَهُ، قَالَ: وَلَيْسَ بَيْنَ بَوْلِ مَا أُكِلَ لَحْمُهُ وَمَا لَا يُؤْكَلُ لَحْمُهُ فَرْقٌ لِأَنَّ الْفَرَائِضَ لَا تَجِبُ إِلَّا بِحُجَّةٍ وَقَدْ ذَكَرَ مُغِيرَةُ عَنْ أَبِي مَعْشَرٍ أَنَّهُ قَالَ: بَالَ بَغْلٌ قَرِيبَ مِنِّي فَتَنَحَّيْتُ فَقَالَ لِي إِبْرَاهِيمُ: مَا عَلَيْكَ لَوْ أَصَابَكَ وَقَدْ رُوِّينَا عَنْ عَطَاءٍ وَالزُّهْرِيِّ أَنَّهُمَا أَمَرَا بِالرَّشِّ عَلَى بَوْلِ الْإِبِلِ وَقَالَ النُّعْمَانُ فِي رَوْثِ الْفَرَسِ وَرَوْثِ الْحِمَارِ وَالرَّوْثِ كُلِّهِ سَوَاءٌ إِذَا أَصَابَ الثَّوْبَ مِنْهُ أَكْثَرَ مِنَ الدِّرْهَمِ لَمْ تُجَزِ الصَّلَاةُ فِيهِ وَكَذَلِكَ إِذَا أَصَابَ الْخُفَّ وَالنَّعْلَ. وَقَالَ يَعْقُوبُ وَمُحَمَّدٌ: يُجْزِيهِ إِلَّا أَنْ يَكُونَ كَثِيرًا فَاحِشًا، وَقَالَ النُّعْمَانُ فِي بَوْلِ الْفَرَسِ: لَا يُفْسِدُ إِلَّا أَنْ يَكُونَ كَثِيرًا فَاحِشًا، وَبَوْلُ الْحِمَارِ يُفْسِدُ إِذَا كَانَ أَكْثَرَ مِنَ الدِّرْهَمِ وَهُوَ قَوْلُ النُّعْمَانِ وَيَعْقُوبَ، وَقَالَ مُحَمَّدٌ: لَا يُفْسِدُ بَوْلُ الْفَرَسِ وَإِنْ كَانَ كَثِيرًا فَاحِشًا لِأَنَّهُ بَوْلُ مَا يُؤْكَلُ لَحْمُهُ وَقَالَ النُّعْمَانُ فِي أَخْثَاءِ الْبَقَرِ وَخُرْءِ الدَّجَاجِ مِثْلُ السَّرْقَيْنِ يُفْسِدُ مِنْهُ أَكْثَرُ مِنْ قَدْرِ الدِّرْهَمِ وَكَذَلِكَ قَالَ يَعْقُوبُ وَمُحَمَّدٌ فِي خُرْءِ الدَّجَاجِ خَاصَّةً وَقَالَ مُحَمَّدٌ: الْكَثِيرُ الْفَاحِشُ الرُّبُعُ فَصَاعِدًا.
قَالَ أَبُو بَكْرٍ: احْتَجَّ مَنْ جَعَلَ الْأَبْوَالَ كُلَّهَا نَجِسَةً بِأَنَّ أَبْوَالَ بَنِي آدَمَ لَمَّا كَانَتْ نَجِسَةً فَأَبْوَالُ الْبَهَائِمِ أَوْلَى بِذَلِكَ لِأَنَّ مَأْكُولَ الْآدَمِيِّينَ وَمَشْرُوبَهُمْ يَدْخُلُ حَلَالًا ثُمَّ يَتَغَيَّرُ فِي الْجَوْفِ حَتَّى يَخْرُجُ نَجِسًا، فَكَانَ مَا كَانَ تَعْتَلِفُ الْبَهَائِمُ وَتَأْكُلُ السِّبَاعُ أَوْلَى بِهَذَا لِأَنَّهَا لَا تَتَوَقَّى مَا تَأْكُلُ.
قَالَ أَبُو بَكْرٍ: وَيَلْزَمُ مَنْ جَعَلَ أَبْوَالَ الْبَهَائِمِ قِيَاسًا عَلَى أَبْوَالِ بَنِي آدَمَ أَنْ يَجْعَلَ شَعْرَ بَنِي آدَمَ قِيَاسًا عَلَى أَصْوَافِ الْغَنَمِ وَأَوْبَارِ الْإِبِلِ وَأَشْعَارِ الْأَنْعَامِ هَذَا إِذَا جَازَ أَنْ يَجْعَلَ أَحَدٌ الصِّنْفَيْنِ قِيَاسًا عَلَى الْآخَرِ فَإِذَا فَرَّقَ مُفَرِّقٌ فِي غَيْرِ هَذَا الْبَابِ بَيْنَ بَنِي آدَمَ وَالْأَنْعَامِ بِفُرُوقٍ كَثِيرَةٍ وَمَنَعَ أَنْ يَجْعَلَ أَحَدَهُمَا قِيَاسًا عَلَى الْآخَرِ وَجَبَ كَذَلِكَ فِي هَذَا الْبَابِ أَنْ لَا يَجْعَلَ أَحَدَ الصِّنْفَيْنِ قِيَاسًا عَلَى الْآخَرِ، وَالْأَخْبَارُ الثَّابِتَةُ عَنْ رَسُول اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ دَالَّةٌ عَلَى طَهَارَةِ أَبْوَالِ الْإِبِلِ وَلَا فَرْقَ بَيْنَ أَبْوَالِ الْإِبِلِ وَبَيْنَ أَبْوَالِ الْبَقَرِ وَالْغَنَمِ.
778- حَدَّثَنَا عَلِيٌّ، أنا حَجَّاجٌ، ثنا حَمَّادٌ، عَنْ قَتَادَةَ، وَحُمَيْدٍ، وَثَابِتٍ، عَنْ أَنَسٍ: أَنَّ أُنَاسًا، مِنْ عُرَيْنَةَ قَدِمُوا الْمَدِينَةَ فَأَرْسَلَهُمُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي إِبِلِ الصَّدَقَةِ وَقَالَ لَهُمُ: «اشْرَبُوا مِنْ أَلْبَانِهَا وَأَبْوَالِهَا».
قَالَ أَبُو بَكْرٍ: وَهَذَا يَدُلُّ عَلَى طَهَارَةِ أَبْوَالِ الْإِبِلِ وَلَا فَرْقَ بَيْنَ أَبْوَالِهَا وَأَبْوَالِ سَائِرِ الْأَنْعَامِ وَمَعَ أَنَّ الْأَشْيَاءَ عَلَى الطَّهَارَةِ حَتَّى تَثْبُتَ نَجَاسَةُ شَيْءٍ مِنْهَا بِكِتَابٍ أَوْ سُنَّةٍ أَوْ إِجْمَاعٍ فَإِنْ قَالَ قَائِلٌ بِأَنَّ ذَلِكَ لِلْعُرَنِيِّينَ خَاصَّةً قِيلَ لَهُ: لَوْ جَازَ أَنْ يُقَالَ فِي شَيْءٍ مِنَ الْأَشْيَاءِ خَاصَّةً بِغَيْرِ حُجَّةٍ لَجَازَ لِكُلِّ مَنْ أَرَادَ فِيمَا لَا يُوَافِقُ مِنَ السُّنَنِ مَذَاهِبَ أَصْحَابِهِ أَنْ يَقُولَ: ذَلِكَ خَاصٌّ، وَظَاهِرُ خَبَرِ رَسُول اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي هَذَا الْبَابِ مُسْتَغْنًى بِهِ عَنْ كُلِّ قَوْلٍ، وَاسْتِعْمَالُ الْخَاصَّةِ وَالْعَامَّةِ أَبْوَالَ الْإِبِلِ فِي الْأَدْوِيَةِ وَبَيْعِ النَّاسِ ذَلِكَ فِي أَسْوَاقِهِمْ وَكَذَلِكَ الْأَبْعَارِ تُبَاعُ فِي الْأَسْوَاقِ وَمَرَابِضِ الْغَنَمِ يُصَلَّى فِيهَا وَالسُّنَنُ الثَّابِتَةُ دَلِيلٌ عَلَى طَهَارَةِ ذَلِكَ وَلَوْ كَانَ بَيْعُ ذَلِكَ مُحَرَّمًا لَأَنْكَرَ ذَلِكَ أَهْلُ الْعِلْمِ، وَفِي تَرْكِ أَهْلِ الْعِلْمِ إِنْكَارَ بَيْعِ ذَلِكَ فِي الْقَدِيمِ وَالْحَدِيثِ وَاسْتِعْمَالِ ذَلِكَ مُعْتَمِدِينَ فِيهَا عَلَى السُّنَّةِ الثَّابِتَةِ بَيَانٌ لِمَا ذَكَرْنَاهُ وَقَدْ يَجِبُ عَلَى مَنْ مَنَعَ أَنْ يَجْعَلَ الْأُصُولَ بَعْضَهَا قِيَاسًا عَلَى بَعْضٍ أَنْ يَمْنَعَ أَنْ يَجْعَلَ مَا قَدْ ثَبَتَ لَهُ الطَّهَارَةُ بِالسُّنَّةِ الثَّابِتَةِ عَنْ رَسُول اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قِيَاسًا عَلَى بَوْلِ بَنِي آدَمَ لِأَنَّ الَّذِي أَمَرَ بِغَسْلِ بَوْلِ بَنِي آدَمَ هُوَ الَّذِي أَبَاحَ شُرْبَ أَبْوَالِ الْإِبِلِ وَهَذَا غَلَطٌ مِنْ غَيْرِ وَجْهٍ أَحَدُهَا تَحْرِيمُ مَا أَبَاحَتْهُ السُّنَّةُ بِغَيْرِ حُجَّةٍ وَالثَّانِي دَعْوَى الْخُصُوصِ فِي شَيْءٍ لَيْسَ مَعَ مُدَّعِيهِ حُجَّةٌ بِذَلِكَ، وَالثَّالِثُ تُشَبَّهُ أَبْوَالُ بَنِي آدَمَ بِالْبَهَائِمِ، وَصَاحِبُ هَذِهِ الْمَقَالَةِ يَقُولُ: لَا يُقَاسُ أَصْلٌ عَلَى أَصْلٍ وَلَوْ جَازَ الْقِيَاسُ فِي هَذَا الْبَابِ لَكَانَ أَقْرَبَ إِلَى الْقِيَاسِ أَنْ يَجْعَلَ بَوْلَ مَا يُؤْكَلُ لَحْمُهُ قِيَاسًا عَلَى أَبْوَالِ الْإِبِلِ وَيَجْعَلُ مَا لَا يُؤْكَلُ لَحْمُهُ قِيَاسًا عَلَى بَوْلِ بَنِي آدَمَ فَيَكُونُ ذَلِكَ أَقْرَبَ إِلَى الْقِيَاسِ مِنْ غَيْرِهِ.